دراسة أمريكية عابرة للثقافات شارك فيها 196 ألف شخص يستخدمون تطبيق لوموسيتي لتطوير القدرات العقلية
خدعوك فقالوا إن "التعلم في الكبر كالنقش على الماء"؛ إذ كشفت دراسة أعدها فريق من الباحثين بجامعة كاليفورنيا بيركلي الأمريكية أن المستويات المتقدمة من التعليم لا تساعد على صقل المهارات المعرفية لطالب العلم -مثل التفكير المنطقي وسرعة معالجة المشكلات وغيرهما- فحسب، بل تقلل أيضًا من احتمالات تدهور الوظائف المعرفية في مراحل متقدمة من عمر الفرد تصل إلى سن الـ60.
وأوضح الباحثون في دراستهم التي استهدفت قياس الأثر التراكمي للمهارات المعرفية التي تقدمها المدرسة على حياة الطالب المستقبلية، أن "قدرات العقل الإدراكية -مثل الذاكرة والتركيز- لا تتوقف عند سن معينة، بل قد تمتد إلى ما بعد استكمال الفرد لمسيرته التعليمية"، مشيرين إلى أن "العمر الذي يبلغ فيه الفرد ذروة أدائه الإدراكي يتزامن مع انتهاء المرحلة الدراسية".
وأجرى الباحثون استبانةً شارك فيها 196.388 شخصًا ممن يستخدمون تطبيق لوموسيتي، وهو تطبيق يستخدمه أكثر من 60 مليونًا حول العالم، ويهتم بتطوير القدرات العقلية للإنسان بواسطة ألعاب مختلفة يجري التدرُّب عليها يوميًّا من 15 الى 20 دقيقة، ويقدم تمرينات خاصة لتحسين الذاكرة والتركيز.
تراوحت أعمار عينة البحث ما بين 15 إلى 60 عامًا، وجرى اختيارها وفقًا لمتغيرات ديموجرافية متعددة، سواء من حيث الخصائص الكمية مثل الكثافة السكانيّة والتوزيع والنمو، أو العوامل الاجتماعية مثل التّعليم والتغذية والثّروة.
وكان على جميع المشاركين إجراء ثمانية اختبارات سلوكية، استهدفت تقييم التفكير المنطقي والأداء المعرفي للشخص مرةً واحدةً على الأقل، كما خضع أكثر من 70 ألفًا من عينة البحث لتلك الاختبارات مرتين: الأولى قبل إتمام البرنامج التدريبي لتطبيق لوموسيتي، والثانية بعد 100 يوم هي فترة الانتهاء منه، لتقييم بعض الوظائف الخاصة بالذاكرة وطرق التفكير السريع ورد الفعل المرن لبلوغ هدف معين، وكذلك قياس الاستدلال اللفظي وغير اللفظي. وكانت الفروق معتدلة بين مَن أنهوا تعليمهم الثانوي وأقرانهم ممن أكملوا التعليم الجامعي، بينما كانت الفجوة واسعة بين تلك الشرائح والحاصلين على شهادات الدكتوراة.
تقول سيلفيا بانج -الباحثة الرئيسية في الدراسة، وأستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا بيركلي وفي معهد هيلين ويلز للعلوم العصبية- لـ"للعلم": "إن أهمية هذه الدراسة تكمن في حجم العينة الضخمة التي شاركت فيها، الأمر الذي يجعلها الأكبر حتى الآن في مجال تقييم الآثار المعرفية الناجمة من الخبرة التعليمية على الأداء المعرفي. لقد كانت فرصة ذهبية لاستبانة هذا الكم الهائل من الأفراد، خاصة أن جمع هذه البيانات في المختبر كان يتطلب مدةً طويلة جدًّا ربما تمتد مدى الحياة، لكننا اعتمدنا على ممارسة ملايين الأشخاص للألعاب الإلكترونية التي يتيحها تطبيق لوموسيتي، ما أتاح لنا قاعدة بيانات واسعة".
يقول الدكتور نبيل الزهار -أستاذ علم النفس، وعميد كلية التربية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وعضو المجلس الدولي للجمعية الأمريكية لعلم النفس- لـ"للعلم": "هذه الدراسة تدخل في إطار الدراسات العابرة للثقافات، والتي تعتمد على جمع البيانات الميدانية من مجتمعات مختلفة لفحص مجال السلوك البشري واختبار الفرضيات المتعلقة بالسلوك والثقافة البشرية. فقد أُجريت على ثلاث دول في الوقت ذاته، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكندا، ووفقًا لفريق البحث، فقد جرى اختيار هذه الدول لعدة عوامل، أولها أن هذه المجتمعات فيها تعددية إثنية، ما يجعل العينة ممثلةً لأناس ينتمون إلى عدة أعراق داخل المجتمع الواحد، كما هو الحال بالنسبة للبيض والسود في الولايات المتحدة، ثانيها أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في تلك المجتمعات، وثالثها أن سن التعليم الإلزامي في الدول الثلاثة هي 16 عامًا، فضلًا عن أن نظام القبول بالجامعة لديهم يتطلب الشروط والمؤهلات نفسها".
يضيف الزهار أن "هذه الدراسة تُعَد مغايرة لما هو شائع في علم النفس من أن القدرة العقلية تتوقف في الفترة ما بين 16-18 عامًا، لكن الدراسة كشفت أن مَن وصلوا لعمر الستين كان أداؤهم الذهني فعالًا ونشطًا، وهو ما يتسق مع الواقع. فكثير من العلماء الذين نالوا جائزة نوبل نتيجة إنجازات علمية حققوها في سنوات متقدمة من العمر، ما يعني أن دعم القدرة العقلية بإمكانيات جديدة أدى إلى الارتقاء بالوظائف المعرفية للأفراد في مجالات مرتبطة بالتقدم العلمي والتكنولوجي، وقد يكون ذلك الطرح مفيدًا للتوسع في تصميم برامج لتعليم الكبار أو استحداث مناهج للتعليم المستمر".
سنة دراسية تساوي درجتي ذكاء
تتفق تلك الدراسة- والتي تُعَد الأوسع نطاقًا في البحث عن فائدة الذهاب للمدرسة- مع دراسة أجراها الباحثان كريستيان برينش وتارين جالواي تحت عنوان "التعليم في المراهقة يرفع درجات الذكاء"، وانتهت إلى أن "كل سنة دراسية بالمرحلة الثانوية تعني تقدمًا بمعدل درجتين إلى أربع درجات في اختبار الذكاء (IQ) في مرحلة المراهقة والمراحل المبكرة للنضوج، بل أيضًا في مراحل لاحقة ومتقدمة من العمر، مع الأخذ في الاعتبار الفروق الفردية الخاصة بمستويات الذكاء، وكذلك المستوى الاجتماعي والاقتصادي لأفراد العينة".
واعتمدت الدراسة على قاعدة بيانات خاصة بالخدمة العسكرية الإلزامية في النرويج، وتتعلق بالأشخاص الذين تركوا الدراسة والتحقوا بالخدمة العسكرية في سن الـ18، وذلك لقياس مستوى ذكاء مَن تركوا الدراسة في مراحل مبكرة مقارنة بأقرانهم الذين واصلوا رحلتهم العلمية.
فتش عن المخ
يقول نبيل القط -استشاري الطب النفسي- في تصريحات لـ"للعلم": "إن المخ له وظائف متعددة، من ضمنها الوظيفة المعرفية؛ لأن هناك علاقة بين الفص الأمامي للمخ والمعرفة الفكرية التي تتعامل معها المدرسة في الأساس. فالفص الأمامي الأيسر مسؤول عن الكلمات وعن الأرقام والمنطق والترتيب والقوائم والتحليل وما إلى ذلك، في حين أن الفص الأمامي الأيمن مسؤول عن الألوان والخيال والتناسق وأحلام اليقظة والألحان والأبعاد والتناسق. وعندما أعمل على تدريب شخص لمدة 14 عامًا (فترة التعليم بالمدرسة) أو 18 عامًا (فترة التعليم المدرسي والجامعي) على استخدام الفص الأمامي للمخ فسيكون من الصعب بعد ذلك أن تتدهور هذه الوظائف في مراحل لاحقة من العمر، ويكون العكس صحيحًا إذا قمت بتعطيل هذا الفص".
يوضح القط أن "هناك علاقة طردية بين سنوات التعليم وتطور الوظائف المعرفية، فالمخ يتمتع بمرونة شديدة، ويشبه الأمر تمامًا حالة الرياضي الذي اعتاد ممارسة الرياضة منذ الصغر، فعندما يكبر تكون لياقته أفضل من الشخص غير الرياضي حتى لو توقف عن ممارسة الرياضة. ويتماشى ذلك مع انتهت إليه الدراسة من أن الوظائف المعرفية تتطور كلما زاد المستوى التعليمي، فالمخ جهاز تفاعلي ديناميكي نشط، وهو لا يتوقف عن النمو والتغيُّر، وهذا التغيُّر يحدث نتيجةً لتفاعلات مع البيئة الخارجية، وهو ما تقدِّمه أيضًا المدرسة من خلال الحياة الاجتماعية مع الرفقاء والمدرسين"، مشددًا على أن "عدم وجود بيئة خارجية يتفاعل معها المخ يجعل المخ ينغلق على نفسه ويستبدل بالعالم الخارجي عالَمَه الداخلي، وهو ما يحدث عادةً مع السجناء داخل الزنازين. وكلما كانت البيئة ثرية زاد تفاعُل المخ، وكانت التغيرات التي تحدث له أكثر قوةً وثباتًا".
Note: Only a member of this blog may post a comment.